2015/02/02

قصاصة

أحياناً, يعني فقط حين تسنح لي الفرصة بالتّفكير, أتساءَل عن مَدى رشاقة حرف أُنتِجَ بضغطة زر أو حتى في حديث الأجهزة لمسة على شاشة, اصطفاف لسطور الكلام بحروفٍ تملك ذاك الخطّ المنتظم, مرتّباً لا يميل عن استقامته الجادّة, ليس بامكانك زيادة انبعاج حرفٍ إلى أي اتجاه أو حتى إعطائه فرصة للتعبير عن نفسه!
أفكّر لو ظل الإنسان على نفس الوتيرة يخطو بتسارع يفوق تسارع غزال يهرب من موتٍ محقق بين أنياب نمر بري, يخطو في تقدمه التكنولوجي أو بالأحرى تراجع مهاراته التي يمارسها بلحمه البشري, هل سينتهي به الأمر ألا يفهم ورقة وضعت على باب بيته أرسلت عبر البريد من قرية لم تصلها الطابعة بعد, تنبِئه بأنّ عزيزاً قد فارق الحياة؟ ليس مثيراً للشفقة بقدر بؤس خبراء الجرافولوجي (Graphology) حين يدركون أن سلالة آدم قد مُسِخت روبوتات وأنّ كل ما يمتلكونه من الخبرة في تحليل الخطوط أصبحت لا تعني شيئاً البتة, على افتراض أنّها تعني الآن. تدري لمَ قلت مُسِخَت؟ لأنّ ما يميّزك هو الرّوح يا سيدي, وأيّ روحٍ تلك التي تنبعث من حرف يشبه الملايين مما نراه في كتبنا ومناهجنا وأجهزتنا ووسائل تواصلنا, بنفس الشكل الممل, الأشد مللاً على الإطلاق, دون أن أميّز بأن الملحوظة الصغيرة تلك كتبها عمر مستعجلاً بخطٍ لا يُصنّف إلا ضمن التلوث البصري أم أمّي متجلّية في ساعة السّحر.
مفلسف؟ طيب دعني أخبرك, مرّة كنت أتصفّح تدوينات لشخص لم ألتقيه من قبل, طريقة الكتابة تعجبني لكنّي لم أعهد أن شعوري قد تغيّر عند منشور ما حتى وجدت من بين الصور التي نشرها صورة تحتوي على فقرة بخطّه, هذه الأُلفة التي تُقدِّم لك الإنسان بعد أن ترى خطّه مختلفة يا أخي. طيب تخيّل مثلاً أنّك دخلت غرفتك ووجدت قصاصة ورق كُتب لك عليها "يا مغفّل لا تنسَ غسل أطباقك بعد الانتهاء من الغداء" بخطٍ تعرفه وتعرف صاحبه, وفي المقابل بعث لك زميلك نفسه نفس العبارة برسالة نصية على هاتفك الذي لا يحتوي على رقمه بعد, هل تقابلها بنفس ردة الفعل؟ بالنسبة لي فربما بعد الرسالة النصية أتصل فيه وأخبره بأنني مشغول وأن لدي امتحان بعد يومين, قضيت نصف اليوم الأول أكتب فيه عن الخط ولم يتبقَ لدي وقت لغسل الأطباق, وفي الختام ليذكّرني بهويته إذا لم أتبيّنها من خلال الصوت, أمّا القصاصة الورقية فربما تجعلني أضع الأطباق في غرفته ليعرف بأنَ الموضوع لا يحلّ بدراما الخطّ والقصاصات المرمية من تحت الباب في غيابي.
أحمدُ الله بأنّني من أولئك الناس الذين لا تجد المعلومة مكاناً في رأسهم إلا إذا كُتبت, مما يعني أنني من الممكن أن أكون ضمن آخر قبيلة تُمسخ إلى روبوتات :D

العاصفة قادمة, تدفّوا منيح, وساعدوا الناس ما استطعتم إلى ذلك سبيلاً, ابتسموا كتير, ابعتوا رسائل بخط ايدكم وادعولنا, نحن القوم الذين يعجِزهم سؤال: "ليش ما في عندكم عطلة بين الفصلين؟"

5/1/2015