2014/11/19

البتول

القدسُ حُبلى بِالفداءِ
وبالحديدْ,
وحَبلُها السُّرِّيُّ
يَحشوهُ الوليدْ
ألفَ رصاصةٍ,
بالعزِّ تُرجِعُ عِزَّهَا
مِنْ صُلبِهِ
وَفِطَامُهُ رَشَّاشهُ
وَفِي يَديهِ
مِن مَخاضهِ
سُنبلةْ,
وَحينَ تُجدِب سَاعةً
فِي القُدسِ
يَزرَعُ فِي الضّلوعِ
قُنْبُلَةْ!

وفي الزّقاقْ
ضجّ الصغيرْ
وراح يهدر بالوعيدْ,
فتنَاثرت أشلاؤهُ مِن حَولهِ
حبّاتِ زَيتونٍ أثيرْ,
وتَزَاحمت
بين الرفاقْ,
في النعشِ
في نَفَسٍ أخيرْ,
وصَارَ يصرُخُ فِي المدى:
أنا ابنُ قلبِكِ
أنا نفْحُ عِطرِكِ
تحفظينَ اللَّحنَ فِي لُغَتِي
وَفِي سِرّي العَتِيدْ,
أمِّي, فدَاكِ
أنَا قَد وُلدتُ لِكي أراكِ
وحَبليَ السُّرِّيُّ
هاكِ
ممدُودٌ إليكِ
ومنكِ
فاملأيه من جديدْ
ثأراً مقدّسْ,
واشرَبي الزّيتَ المُعتّقَ
مِن دَمِي,
تحبلينَ المَجدَ حُرّاً من ثراكِ.

فانحنت كالشامخاتْ
تسقيهِ دَمعاً مِن فُراتْ
بالشوقِ والحبِّ الكبيرْ
وتُمَسِّدُ الكَفَّ
والوَجهَ المُنيرْ
وتَلثُمُ مِنهُ ناصيةً
وتَشربُ الزّيتَ المريرْ,
حتّى رَأتْ فِي ثَغرهِ
حبّاتِ قَمحٍ
كَانَ يخزِنُها لمثواهُ الأخيرْ,
فتَحسّسَت مِن بطنها
حِينَ ابتسمْ
غُصنَاً تَورّقَ
مِن عَبيرْ!

وصَارت كلَّ يَومٍ بعدَها
تحبُلُ بالحقولْ
وَيكبُر بَطنُها المُخضَرُّ
قمحاً
فِي دَقَائِقَ مِن سُهُولْ
فتَوافَدوا من غَيِّهمْ
مِن سَكْرَةِ المَوتِ المُشِينْ
كُلُّ أشكالِ الفُحُولْ
وتَنازَعُوا مِن حَولهَا
بادّعاءٍ للأبوّةْ
والخُصوبةِ والفُتوّةْ
كُلٌّ يبرِّرُ وَصْلَهُ
يدّعِي حَقَّ الوُصُولْ!

وَعَلا الصياحُ المُرُّ
بالذَنبِ الذِي لَم يُقترَفْ,
وهيَ التِي فِي سِرِّهَا
قالت بِصمتٍ مُطبِقٍ
هَذَا عُواءٌ ظَالمٌ
هَذَا خَرَفْ,
حَتّى تَسلّلَ بَينهُمْ
صَوتٌ تَعَالَى كالسُّعَارْ
قَد أَسكَتَ الجَمعَ الغفِيرْ
ورَاحَ يخطبُ فِي الشَّرفْ:
في البدايةْ,
يَا سادةَ القَومِ الكِبارْ
بَطنُها الخَصْبُ الحَقيرْ
هُو سرُّ أسرارِ الغِوايَةْ
وهُو الخطيئةُ والدَمَارْ
فلتعترفْ
كلكم أشرافُها
وهي البغيّْ
تنكِر باحتيالْ
فلها المغبّة في النهايةْ
نارٌ سعيرْ
فصفقوا من حولهِ
كالجمعِ الحكيمْ
وهم الحميرْ
وبدا لهم أنَّ الذي
قد أنطَقه
كَانَ تفصِيلَ الحِكايةْ

في وحدةِ الليل البهيم
في كهفٍ قصيٍّ
عن كُل إنسٍ أو أنامْ
قد جالسَت حزنَاً زآمْ
وصامتْ دهرَها
عن كلِّ أصنافِ الكلامْ
وكانَ الرّحم يكبُرُ كلَ يومْ
في الظّلامْ
بالنّورِ يبرقُ من جبينِ القنبلَةْ
فتحبُل سنبلةْ
وزيتوناً
وترباً
ومعولَهْ
فيرتدّ الصدى من جوفها:
القُدس حدُّ المِقصلَةْ
القُدس زَرَدُ السلسلَةْ
وَهِي التِي قد بُورِكَتْ
فَهي لَفظَ البسملةْ

حتى إذا جاءَ المخاضْ
عَسُرَ السكوتْ
ودعَتْ ونَادَتْ فِي خفُوتْ:
أنَا قدسُ هذي الأرض
يعرفُونَ الوسمَ من شفَتي
ومن لغتي
لكنني بالإثمِ مرميّةْ
وأنَا البتُولْ
يا ليتني قد كنت اليوم منسيّةْ

وانتهى فصلُ المرارةِ والتّعبْ
حين ردّت كُل الأزقَةِ بالغَضَب:
القدسُ حُرّةُ معتقَةْ
القدسُ حبلُ المشنقةْ
القدس هذه يا فتى
للفحولِ الكاذبينْ
للطغاة الظالمينْ
لصوته المسعورِ
لوجهه المقبورِ
للعرايا والبغايا والشرور
محرقةْ.

....
نور عليان / 19-11-2014