2014/09/20

إلى الله..

حين قفلت عائدة وأنا أفتح باب الشقة، وفوق صوت سماعة أذني يختلط صوت منبه ساعتي وكان قد أجهده التعب منذ عشر دقائق متتالية، ابتسامة غريبة تشبه النصر في الانتشاء خالجت داخلي سريعا دون تفكير، وأعادت على لساني هذه المرة عبارة جبران الأثيرة التي ظلت طول الطريق تتردد في عقلي: "الحياة ملك من يصحو باكرا"
كنت قد تنبهت لصلاة الفجر بعد أن بدأ يتندى الفجر وتزول عتمة ليله، لم أخطط للصحو بهذه الطريقة، وكأن كلام الليل يمحوه النوم، فلزمت الفراش بعدها أفكر كيف بإمكاني أن أقضي الوقت وأضيعه دون أن يضيع!
من دون وعي مني لبست وحضرت نفسي للخروج، لم تكن مهمة خارجية على القائمة ولا على هامشها، فلم أخرج في الوقت الذي أحتاج فيه كل دقيقة؟ هكذا، طيب إلى أين؟ لا مكان، اكتشفت لاحقا أننا نمتنع عن كم هائل من الأمور لأننا نقابل بالأسئلة التي لا ترضينا إجابتها أو أننا لا نستطيع صياغة هذه الإجابة، ففي بلادنا الكل معني بالتفاصيل والأسباب ولا يقتنع أن يكون السبب هو ذات الفعل، ألا يكفي أن أذهب للمشي لذات المشي، هيك.
"يا رب
حزنا حزنت،
وأرهقني اليتم
أهلكت النار زرعي وضرعي،
بكاء بكيت،
ويممت وجهي إلى نور عرشك"
كان الساوندكلاود منذ أول الخطوات يسدي لي خدمة ملكية، يعيد على مسمعي القائمة المفضلة المعدة مسبقا لتناسب هذا الجو.
نابلس، صباح الجمعة، تبدو الشوارع فاتنة فارغة من جنس ابن آدم، كل الذي فيها يتكلم بصمت، بصمت جميل متناسق مع تغاريد الطيور الصباحية صحيح أنني استعضت عنها بصوت موسيقى، لكني كنت قد فكرت، لم الطيور تغرد بصوت عال في الصباح بالذات، فخلصت إلى أن عنجهية الإنسان وثرثرته في كل الأوقات لا تجعله يصغي، تجعل منه آلة تضخ كمية مهولة من الكلام مغزاها (أنا) في فترة صحوه، وفي الصباح يصمت الإنسان مستغرقا في نومه، فيسمع هذه الأصوات من استيقظ، المجد لمن استيقظ!
فكرت في كل شيء، في الشارع المقابل، في الياسمينة المنحنية على ناصيته، في العمارات المتطاولة على الجانبين، في الطبيب يهرع وحيدا لعمله في يوم العطلة، في عمليات خطف محتملة، في كاميرتي العاطلة عن العمل منذ فترة طويلة، فكرت في الله، في الاشتياق، في الدهشة والجمال والحب، في الحزن والرجاء، جال في خاطري الغد المجهول والحرب الشرسة، في الطب والعجز والإنسان، لم تترك فكرة رأسي إلا ومرت فيه، كنت أمشي دون وعي، أرفع رأسي للحظات، وأخفضه في معظم الأحيان، أوقظتني في نهاية الشارع المؤدي إلى السكن كلمات "إلى الله أرفع عيني" رفعته فإذا بلحظات تفصلني عن جدار كنت سأصطدم فيه.
الله ينتشلنا من وجع الضياع إذا ما قصدناه، وحين تتلكأ الخطى يعلم أقدامنا المشي ولو كانت حافية!
22-8-2014