2014/09/19

جبران

أحدثها بلا حد عن حبي لجبران، حبي لفلسفته للغته لكلامه الذي يصلني صداه بصوته هو، بصوته الذي لم أسمعه لكني أتخيله ثخينا لا حدة فيه، متراخيا سهلا حين يتكلم عن الطبيعة والأمل، مستكينا حين يتكلم عن الحب والذكرى. على إفطار يوم الجمعة الذي لم أجتمع عليه مع أحد منذ أسابيع قاتمة، أضحك بعمق وفيروز تغني (زاهدا فيما سيأتي، ناسيا ما قد مضى) مفتخرة بكون الكلمات لجبران، الذي أحب.

منذ سنين التقيت صديقة صدفة، كان قد مضى على فراقنا زمنا يجبرني ألا أسأل سوى عن آخر الأخبار والمستجدات، كانت تتحدث بسرعة توازن بين اللهفة والرزانة وتبرق في عينيها الكلمات بصدق قبل أن تخرج من فمها، كانت يومها تحمل على صدرها كتابا، متوسط الحجم، لا أدري إن كان أخضرا لكني هكذا أتخيله، في البداية لم أسألها عنه، لكن قبضة كفيها حوله ضامة إياه بحنو كوسادة مريحة انتزعت يدي مني إليه والتقطته متسائلة (جبران يا آلاء؟)، لم أكن أعرفه يومها وليتني كنت.

خالي يقطن في رام الله، لم يتزوج لظروف سنين غربته الست والثلاثين، هو ليس وحيدا تماما، يحب أن يشارك غيره الاهتمام في أي شيء يحبه أو يعرضه عليه، حدثته عن معرض الكتاب ذات مرة ليرافقني وكان قد سبق وذهبنا سويا لندوة شعرية أسعدت قلبه وقلبي، رحب بالفكرة مباشرة كما توقعت وصحبني إلى مبتغاي أو صحبته إلى سعادته، يومها وبلا وجل ولا مقدمات كان لقائي الأول بجبران على ورق أصفر، كل الذي أعرفه عنه وجهه الممتد من أسفل إلى أعلى كمثلث يتسع قليلا عند جبهته لكنه على كل الأحوال لم يكن ممتلئا، ينظر إلى الأسفل كأنه يقرأ في كتاب أو يكتب في الكتاب الذي أقرأ منه الآن.

حملت الكتاب ضامة إياه إلى صدري بحنو بين كفي، ومنذ ذلك الوقت عرفت كيف تكون الأعمال الكاملة لجبران وسادة!