..
إن كم الأفكار المختزنة في عقل أحدهم قادرة على الاشتعال ذاتيا في أية لحظة تتطاول فيها إلى حد لا يستطيع فيها التحايل عليها بواقع مواز، تشتعل فتحرقه دون أن ينتبه لها حتى. وإن أكثر اللحظات تحفزا لذلك تلك الأوقات التي تلتقي فيها حلكة الليل بحلكة الحزن وحلكة اللاسبيل، تظن أن قبسا من نور سيتوهج مضيئا لك عتمة الطريق، فتشتعل أنت فجأة حتى تصبح رمادا.
ماذا يفيد الرماد الآن؟ لا شيء، لا شيء على الإطلاق.

وإن أسوأ عمل قد تقوم به حين يداهمك حزن ما أن تسترجع أفكارا خائبة لازمتك من قبل، فتزيدها تكدسا فوق الذي أنت فيه، ستحزن وسيقول لك أحدهم ماذا يفيد الحزن نفعا!
من أفهم هذا أن الحزن خيار مريح يؤخذ في ساعة شروق مبهجة وتقرع لحضوره الطبول، وأن اختياره مبني على النفع والمصلحة المحضة الطينية، إن كان في الحنجرة أحاديث يا هذا فكثير هي وصوتك كالضوضاء ملتحما بأسوأ لحن، قل لمن عركته الحياة فصرعه الحزن ولو مرة إن كنت حاكيا:
ابك دمعا، حرفا أو موسيقى، وانثر بينها حزمة منك قبل أن تنثرك هي واجعل على كل عتبة من خوفك جرأة جديدة، لا بأس، احزن وقتما شئت وكيفما شئت وارجع إلى روحك التي أنت بها أنت وإنك بدونها لا شيء على الإطلاق سوى الطين. احزن وكن الإنسان الذي فيك محضا وحين ترتاح اخرج من غمرة الحزن بسلاسة، حين يستوفي قلبك من بئره، فتلك روحك وذاك أنت وما عرف بها حقا سواك!
..