ربّما سيستخفّ البعض بما سأقول لأن الإحساس لم يراوده من قبل وربما سيستسخفه بزيادة سين
وإحساس ب "فكك من الحكي الفاضي" ، لكنّ من يعش في القُدس أو في تلك الإحداثيات التي تُشعرك أنّك "آخر غريب" سيشعر بذلك بشكل جليّ !

إن الاندماج في مجتمع له هيكلية خاصة ، نمط حياة مختلف نوعاً ما ، يحاول أن يحتفظ بكينونته رغم كل القوة الموجّهة لنزعه من هويته كما في القدس، يشعر الشخص فيه وكأنّه منتزع من الأرض ويعيش هناك في عالم آخر، يُولد في مستشفى "إسرائيلي" ، يدرس في مدارس "البلدية" ، طالب جامعي في "الجامعة العبرية" ، ثم يتخرج ويعمل عند"هم" ويشتري حاجيات البيت من "رامي ليفي" والفواتير لا تصل إلا باللغة "العبرية" ومن المفضّل جداً أن تقول "سليخاه / توف / ... " حتى يعرف كيف يتصرف وبعدها من المفترض أن يحافظ على وطنيّته وفلسطينيّته وحماسه للقضية .. ويتكرر السيناريو !

وربّما لم يمرّ على كل المحطات تلك ، لكن طبيعة الحياة تفرض عليه بعض الأمور المختلفة والمشاعر المغايرة عن تلك التي تفرضها المعيشة في أراضي "السلطة الفلسطينية" .. شعورك بأنّك غير معترف بك ! أنت مُجرّد شخص موجود خطأً في عاصمة إسرائيل الدينية ، لستَ حاملاً للهوية الفلسطينية ولا تملك الجنسية الإسرائيلية وجواز سفرك أردنيّ! مزيج من اللاشَيء..

إن بقاء الشخص في تلك الحالة مدّة من عُمر وشعوره بهذا المزيج الغريب سيفقده شيئاً لن يشعر به إلا حين يستعيده ، يشابه ذاك الشعور الذي تحس به حين يكون فمك تحت تأثير التخدير وبعده ينتهي مفعوله لتبدأ تشعر بشفتيك ، تماماً!

بالأمس ، كُنتُ أستَلّ ذلك الشيء، الذي نزفته لمدة ثمانية عشر عاماً، خلسة من مدن الضّفة التي أمرّ بها في طريقي، كنت أحاول التهام كل منظر يمرّ بجانبي ، شجرة /صخرة/لافتة بالعربية/سارية علم/بيوت عفا عليها الزمن/شوارع ضيقة/كرسي انتظار على الرصيف...

كُنت أحاول البحث عن انتمائي لكلّ ذرة ترب أمرّ من فوقها في داخل نفسي لأمسح الغبار الذي تكدّس عليه ، أبحث في ذاتي عن ذاتي التي تشبه تلك الأرض الممتدة ..

إن زياراتي المتكررة لـ مدن الضفة وسكني "المؤقت" في مدينة نابلس لظروف الدراسة واختلاطي بالشعب هنا! بالشعب الذي لم يعرف بعد ما معنى أن تكون في مساحةٍ ليس لك فيها شيء سواك ، وحتى"سواك" منتهك باحتراف منحني ذاك الشعور بالدفء ، بأنني شيء، أعاد لي الكثير الذي فقدته!
أعاد لي شعوراً بأنّي جزء من أحرف فلسطين بعد أن اعتقدت أنّ الحروف قد نفتني من الأبجدية :)


- نور عليان ~ 18-6-2012
الصورة: شارع من شوارع مدينة طولكرم :)


نجلاء يقول...

شعورك هذا .. لا يكتب بأي أبجدية يا نور ♥

غير معرف يقول...

أعشق حرفك