2013/12/12

تورية





(1)
في دورة صحافة حضرتها ذات مرة قيلت هذه العبارة العظيمة:
"كل شيء على هذا الكوكب يريد أن يقول شيئاً ما"
- نقاء حامد



(2)
إن النفس البشرية يا صديق تسعى دوماً لترسم في عقل محدّثها الصورة التي تحبّ، بإظهار ما تبغي وإخفاء ما تكره، بالتحدث في أمورٍ تتوارى بين ثناياها تلك الرسائل التي قد تكون لها علاقة بالأمر المتحدَّث عنه أو لا علاقة لها به بتاتاً. المهم أن الرسائل المدسوسة في كل الأحاديث والنقاشات والأشكال والمظاهر قد تكون واحدة من اثنتين: إما إظهار ما هو موجود أصلاً في نفس المتكلم من أجل أن يعلم من حوله بحقيقته فيقومون إنصافه، أو خلق صورة ما لا أساس لها من الصحة يتمنى أن يعرفه الناس بها لكنه لا يريد أن يكونها حقيقة، أو يريد أن يكونها داخلياً لكنّه عاجز تماماً عن فعل ذلك.

حين تناقش شخصاً ما تعرفه فإنك تبقى في ذلك الإطار الذي رسمته لعلاقتكما، قد تكون الدائرة وهمية تماماً لكنّك قد ارتكزت عليها منذ أن أنشأتها في عقل المتلقّي بالأحاديث التي ترويها له، وتصرّفك أمامه وتعاملك معه. وقد تكون حقيقية فعلاً، فإذا ما كانت الأولى فستكون مصطنعاً بكل ما أوتيت من قوة لتبقى متزناً في وهميتك خوف التعثر في مأزق سيكشفك على حقيقتك، وأما الثانية ستكون عفويّاً بكل ما أوتيت من قوة لأنك تعلم فعلاً أنها حقيقتك وأرضك الثابتة التي لا يمكن أن تختلّ إلا في حالة واحدة وهي تتعلق في الشخص المقابل وليس فيك أبداً وهذا لا يكون إلا في خلل في ذاته هو يقده إلى تصنيفك وتأطيرك ووضع الأساطير حول حقيقتك.

إن هذه الرسائل التي أحدثك عنها تمتد من تسريحة شعرك وستايل لبسك إلى صورة بروفايلك ونوعية أصدقائك.
على سبيل المثال، فإن بعض الأشخاص الذين يحاولون أن يرسلوا هذه الرسائل حول حقيقة ما يؤمنون به من ليبرالية مثلاً يقومون بالخروج عن المألوف في الشكل كالشعر المنكوش مثلاً والجروبات "الكول" من الشباب والفتيات وغيرها من الأمور، الأمر الذي يعطي الصورة النمطية عنه بأن كل ليبرالي من الضروري أن يكون كذلك. فيأتي من بعده ممن يؤمن بالليبرالية فيقوم بتغيير شكله من أجل أن يرسل لك بسهولة دون أن يتعنّى في أن يثبت ذلك بأنه كول ويؤمن بالليبرالية الجميلة!

مثال آخر، الحجاب الأبيض لل"أخوات"، قد تكون إيماناً بأنّه الحجاب الشرعي، لكنّه ليس فقط كذلك، هو رسالة لك بأنني منتمية لهذه الحركة الإسلامية، أؤمن بما يؤمن به المنتمون إليها وأنني على الغالب من أعضائها الأنقياء الأتقياء.

لذلك نرى بأن أصحاب الفكرة الواحدة غالباً ما يميلون للتصرف بنفس الشكل في أمور لا علاقة لها بتلك الفكرة إلى درجة التشابه في الأحلام! من أجل إظهار الصورة النمطية التي تؤدي بك إلى الاستنتاج بأنهم يؤمنون بأمر ما ومن ثم إنصافهم.

أخبرني ما علاقة الشتم الذي يمتهنه المؤمنون بالحرية بها، وما علاقة ارتداء
 مجموعة كبيرة نفس اللباس بنفس اللون بنفس النمط بالدين؟
المصيبة  بأن يصبح الشكل النمطي يوحي برسالة واحدة ترتسم في العقل مباشرة، وهذا ما هو حاصل للأسف، بغض النظر عن رسالة الشخص الخاصة التي يريد إيصالها.





(3)

https://soundcloud.com/the_fooron54cina/om-kalthoum-enta-omry




(4)
ذات مرّة رأيت حساب إحداهنّ على الآسك، طالما أردت أن أخبرها بأنّها فتاة جيدة جيداً لو كفّت عن القليل من العجرفة وأحسست بأن الآسك مناسب تماماً للبوح بأمور كهذه دون التعرض لشخصها مباشرة، بدأت بالكتابة وتذكرت مدى الجبن الذي يدعوني لفعل ذلك وعدم مواجهتها به وجهاً وجهاً، صدقني كل الذي أريده حقيقة أن تصلها فكرة أنها جيدة جيداً لو كفت عن ذلك لكنّي خفت أن تصلها رسالة أنّي انتقدها لشخصها وأنني أقدح في خلقها وأنني أضع نفسي فوقها أو الرسالة الأخرى التي يشعر بها المتعجرفون دائماً بأنّ هناك من يغار منهم ويريد أن ينتقد لمجرد نقص فيه، وعلى سبيل جلد الذات أرسلت لها بأنها فتاة جيدة جداً دون التتمة!





(5)
ذاك المقطع، استمعت إليه؟
حسب من أنت وفكرتك الأصيلة عني ستصلك رسالة عنّي وعنه بمجرد سماعك، صدّقني ستفكّر في ذلك دون أن تفكّر، دون أن يستشيرك عقلك حتى، أخبرك كيف!

- لو كنت من الذين لا يستمعون للغناء والموسيقى بحكم أنّه أمرٌ محرّم، فإنك ربما تنتبه إلى اسم أم كلثوم مباشرة بعينيك الحادتين كالصقر فتراودك بعض الأفكار، أو ربما تفتحه فتكتشف أنه أغنية فتغلقه مستغفراً وستردك بعض الأفكار أيضاً، أو لفرط فضولك فإنك ستستمع إليه وتكتشف أنه ليس أغنية أم كلثوم الأصلية وإنما مقطع صغير فقط قد تم دمجه بطريقة ما مع موسيقى صاخبة، ستستمع إليه دون أن تعلِم أحداً بذلك، بعدها ربما تعجبك وربما لا. المهم أنّك ستفكر، ستقول في نفسك: "الأغاني حرام" "إذا بليتم فاستتروا" "والله حلو صوت أم كلثوم بس مش رح أسمعلها" "نور اللي عاملة حالها شيخة بتسمع أغاني وبتنشرها كمان" زد على ذلك أو أنقِص!

- لو كنت ممن يستمع لأم كلثوم ويجلّها ويقدّر أعمالها وممن يصنعون هالة مكتوب عليها ممنوع الاقتراب حول من يحبون، فإن المقطع سيجعلك تفكر "ما هذا الهراء!" " إلا أم كلثوم يا جدعان!", "ايش هاد الذوق يا نور! " "ايه الأرف ده"

- لو كنت ذو حس ساخر مرن، ستستمتع بالمزج المرعب بين ال
electronic music  الصاخب وصوت أم كلثوم الطاعن في القدم والأصالة وستعلّق بعدها بما راودك متراوحاً بين قطبي الإيجاب والسلب.

أما عن حقيقةرسالتي من نشر مقطع كهذا هي فقط يا صديق، أنني أريدك أن تضحك، ذلك المزيج المجرم جعلني أضحك من قلبي! كأنّه يريد أن يخبرنا بذلك التناقض الذي نعيشه في حياتنا دون أن نلتفت لكمية تناقضه فنعيشه لا بل ونضحك. أريدك أن تضحك فقط.





(6)
أستمع الآن لمقطع من سورة يس.
لا أريد أن أوصل لك رسالة ما!

يجب أن تحدّثك نفسك بأنني أكذب استناداً للنص رقم (1)





(7)
هذه التدوينة تريد أن توصِل لك رسالة ما لا تقولها.





نور / 12-12-2013