لَا أنسَى تلك الليلَة وعمري لا يتجاوز العاشرة ،
ليلة وَقفت فيها قَدماي الصغيرتان ترتجفان في صلاة العِشاء
وعينيّ تملأهما الدموع خوفاً بعد أن كانت معلّمتي في المسجد قَد أخبرتنا بأن نصلّي
حتى لا تَمسّ جلودنا الناعمة النّار وأسهبت بوصف هذه النيران
التي تأكل نفسها جوعاً للحوم من عصوا الله !
 ووصفت أشكال العذاب وأصنافه لنا حتى أنّني لم أكن أنتظر المؤذن حتى يكمل نداء الحق
فأتوضأ سريعاً وأصلي لكي لا أرى ما وصفت من بشاعة
!
وفي تلك الصلاة ، دخلت علي أمّي فوجدتني منهارة أبكي بجنون وكأنّي قد أُصبت بمس!
فقرأت علي المعوذات متمتمة إياها بسرعة خوفاً من أن يكون قد مسني مكروه
..
ثم حضنتني تتساءل عن سبب ما أفعل ، فلم أخبرها سوى بعد جهد مضنٍ ،
 وما إن سمعت أمي بما قلت حتى هرعت إلى الهاتف
واتصلت بها وأخبرتها بأن ترفق بنا وما هكذا يُعلّم الأطفال
..

تمرّ هذه الذكرى وقد تجاوزها الزمن كأنها الآن تتكرر أمام عينيّ
بعد أن قرأت كتاب النباهة والاستحمار لـ د.شريعتي،
إن التربية الدينية المبنية على الخوف تولّد ديناً مستحمراً ،
قلي بربك ما الفائدة من جَعل طفل يصَلّي مرتعدةً أطرافه من نارٍ
لم يكن بعد قد يصلَى بها وإن لم يعرف كيف يغسل يديه للوضوء بعد !
وهل يا تُرى سيظَلّ بخوفه هذا يصلي لبقية حياته ؟
سأجيبك : لا ! لأن خوفه الذي هُيّجَ فجأة بأمرٍ مهول
سيتبدد مع مرور الزمن وسيعتاده بتكراره
وسيمر الطفل هذا حين يشب بمرحلة تجعله يشعر بأنه لا يهاب شيئاً
..
إنّك لو خاطبته منذ البداية بلسان ولغة يفهمها تجعل من صلاته علاقة حُبّ وامتنان
لمن يسر له مالاً ليشتري تلك اللعبة مثلاً
ومن قربه للمسجد شعوراً بالقرب من بيتِ من منحه يدين ورجلين وحضناً دافئاً من أمه ،
لو خاطبته بتلك الطريقة فإن حبه وامتنانه وقربه سيزيد بزيادة عمره
وسيكون فاهماً فاعلاً واعياً وليس مستحمراً
:)

- نور عليان


Wala2 يقول...

رائـــــــــــعة كعادتك يــــا نور :)
دائما طريقة طرح الفكرة أهم من الفكرة نفسها

ميمونة يقول...

فعلا لماذا دائما يتم ترهيب الأطفال بدلا من ترغيبهم بالجنة فالعكس لو صليت يا بني ستدخل الجنة ولا نأتي فقط من باب الترهيب والتخويف
تحياتي
ميمي
أتمنى أن تزوري مدونتي خواطر حالمة على ضوء القمر ،، ميمونة حسين

غير معرف يقول...

ما بعرف ليه اتذكرت موقف للشهيد عبد الرحمن الديب :.ومن ذكريات الطفولة التى لا تفارقنى ، حين دخل علينا مُدرّس الدين فى الفصل ، و أخذ يحدّثنا عن حكم حلق اللحية ، و أنّه حرامٌ الأخذ منها أو تقصيرها ، و مَن يفعل ذلك آثم ، و ظلّ يحدّثنا فى ذلك كثيراً حديثاً لا تستوعبه عقولنا الصغيرة ،
فلما إنتهى ذهبت إليه و سألته ببراءة
" حضرتك بتقول إن اللى مش بيطلق لحيته آثم و مذنب ، طَب أنا والدى مربّى لِحيته ، بس أنا بشوفه بيساويها عشان يبقى شكلها كويس و لحيته شكلها جميل ، كده يبقى أبى آثم " ..
فرد عليّ بحسم " أيوة ، وروح إنصحه و قوله إن اللى بيعمله ده حرام "!! ..
.
يومها لم يتسغرق الأمر منّى كثيرا ، حتى أدرك أن المشكلة عند هذا المدرس لا عند والدى ،، هذا الذى يدخل على أطفالٍ صغارٍ ليحدثهم فى أمرٍ خلافيٍ ، فى الوقت الذى لا يزالون يحتاجون تعلم أساسيات دينهم التى لم يتشبعوا بمعرفتها بعد ،، هذا المدرس الذى يردّ على تلميذٍ يسأله إن كان والده قدوته على خطأ أم صواب فى أمر هو يعلم أنه خلافي ، فيقول له بحسم أنه على خطأ و أن عليه - الطفل- أن ينصح أبيه حتى يتوب و يستغفر ..
لم يستغرق الأمر من هذا الطفل الصغير وقتا ليدرك أشياء لم يكن ليدركها لولا هذا الموقف ،، ببساطة أدرك أن هناك خلل ما فى مدرّسه ،
أبوه لم يحدثه يوما فى هذا الأمور ، دوما يحدثه عن الصدق ، الشجاعة ، الرجولة ، نصرة المظلوم ، إغاثة الملهوف ، إتقان العمل ، التفوق فى دارسته ، الصلاة على وقتها ، دماثة الخلق ، عفة اللسان .. و كان يرى كل ذلك متحققا فى أبيه ..
يحكى له عن فلسطين ، عن كوسوفو ، عن البوسنة ، عن الشيشان ، عن إضطهاد المسلمين فى كل مكان .. يعلمه أن ينشغل بهذا ، و ألا يشغله شيء أقل أهمية عن شيء أهم ..
.
لم يكن يدرك الطفل حينها التوصيف الصحيح للفارق بين أبيه و المدرس .. كل ما كان يدركه أنه يريد أن يكون مثل أبيه لا مثل مدرسه ،،
عندما كبر عرف أن الناس يُعرّفون الفارق بينهما بشيءٍ إسمه
" فقه الأولويات "
.